مجلس الشـوري بين الأمس‮ ‬واليـــوم

بقلم‮ :‬
د‮. ‬رضـا شـتا

إنه بحق يوم ساطع في تاريخ الحياة النيابية في مصر يوم السبت الموافق الحادي والعشرين من نوفمبر‮ ‬2009‮ ‬عندما قام الرئيس حسني مبارك بعد الانتهاء من إلقاء خطابه أمام أعضاء مجلسي الشعب والشوري بمناسبة بدء الدورة البرلمانية الجديدة بزيارة مبني مجلس الشوري حيث قام بتفقد أعمال التجديد وإعادة التأهيل لهذا المبني العريق بعد الحريق المدمر الذي تعرض له في يوم مشئوم‮ ‬19‮ ‬أغسطس‮ ‬2008‮ ‬وأتي علي كل محتوياته ومابين جدرانه‮.‬
وكان في استقبال الرئيس مبارك ومرافقيه السيدصفوت الشريف رئيس المجلس الذي اصطحبه في جولة داخل المجلس ومنشآته أثارت إعجاب الجميع وعلي رأسهم الرئيس مبارك والدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب ود.أحمد نظيف رئيس الوزراء اصطحبهم الشريف في بداية الجولة إلي المكتب الرئاسي الذي سيخصص لاستقبال رؤساء الدول ورؤساء برلمانات العالم عند زيارتهم للمجلس وبذلك يكون الرئيس مبارك أول رئيس شرف المكتب باستقباله‮.. ‬بعدها توجه الجميع إلي بهو الأعضاء الذي أطلق عليه الأعضاء‮ (‬بهو مبارك‮) ‬تقديرا من المجلس ورئيسه‮ ‬للدور الهام الذي قام به الرئيس مبارك والدعم المادي والمعنوي‮ ‬غير المحدود الذي قدمه لإعادة هذا المبني التاريخي إلي رونقه وعظمته ولكي يظل في مكاتنه شامخا وشاهدا علي تاريخ مصر العريق في مجال الديمقراطية‮.. ‬وهو بهو عندما تدخله وتجلس فيه تشعر‮ ‬ولأول وهلة براحة نفسية ثم ماتلبث وتشعر بالعظمة والأصالة عندما تتأمل عيناك جدرانه وأسقفه التي زينتها مجموعة من اللوحات الثمينة الرائعة التي تعكس جمال وحسن الطبيعة في مختلف محافظات مصر‮.. ‬ومضي الموكب في طرقات المجلس التي تزينت كأجمل مايكون ليصل إلي المكتبة الرقمية التي أعدت علي أحدث النظم المكتبية في العالم والتي سيتم ربطها بمكتبة الإسكندرية وبمكتبة الكونجرس وبالعديد من المكتبات الشهيرة بالعالم وتضم المكتبة كنوزا من كتب القانون والقانون الدستوري لتكون سندا ودعما لأعضاء المجلس لإعداد أبحاثهم ودراساتهم‮.‬
كما تفقد الرئيس مبارك وضيوفه القاعة الرئيسية للمجلس التي شهدت محاكمة الزعيم الوطني أحمد عرابي ورفاقه عام‮ ‬1882‮ ‬وكذلك قاعة الدستور التي بين جنباتها اجتمعت لجنة الثلاثين لتضع أول دستور والذي يعد أب الدساتير المصرية والذي أكد أن مصر دولة حرة ومستقلة دستور‮ ‬1923‮.‬
وفي ختام الجولة التقي الرئيس مبارك مع أعضاء اللجنة العامة برئاسة الشريف‮ ‬والتي تضم أيضا زعماء الأحزاب السياسية ورؤساء اللجان النوعية في حوار مفتوح اتسم بالصراحة والوضوح تم خلاله استعراض مجمل القضايا الداخلية والخارجية الراهنة والجهود التي تبذلها الحكومة لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد‮.‬
والحقيقة أنني وبينما الضيوف الأعزاء يتفقدون المبني والانبهار والإعجاب يبدو علي وجوههم جميعا كنت أسترجع في مخيلتي ذكريات هذا اليوم‮. ‬المشئوم الذي تعرض فيه مجلس الشوري للحريق وقتها كنت قد وصلت إلي منزلي في السادس من أكتوبر للتو وإذا بمكالمة تليفونية من أحد الصحفيين يخبرني فيها بأن المجلس يتعرض لحريق وفي الحال ركبت سيارتي أسابق الريح وأنا لا أصدق ماسمعت إلي أن وصلت إلي كوبري قصر النيل ورأيت سحب الدخان تتصاعد بشدة فوق المبني العتيق‮.‬
هنا أيقنت أن الخبر حقيقي وأن هناك كارثة وهنا أحسست برجفة تهز بدني وألم وحسرة في نفسي ازدادت عندما أصبحت أمام المجلس أشاهد النيران تتأجج من كل جنباته‮.. ‬إنه المنظر الذي أدمي قلوب المصريين جميعا وهم يتابعونه علي شاشات التليفزيون‮.‬
وماهي إلا لحظات وكان صفوت الشريف رئيس المجلس في أرض الواقع يتابع جهود رجال الإطفاء عن كثب معلنا التحدي لمواجهة الموقف‮.. ‬وبعد أن هدأت النيران وتبين أنه لم يبق من المبني سوي جدرانه بدأ الحديث عن إقامة مبني جديد في إحدي المدن الجديدة لتكن السادس من أكتوبر أو التجمع الخامس‮ ‬غير أنه وفي اليوم الثاني والعشرين من أغسطس زار الرئيس مبارك الموقع متفقدا آثار الحريق إلا أنه أعلن موقفه المؤيد والداعم لموقف رئيس المجلس بأن يظل المجلس في مكانه علي أن يعاد ترميمه وتأهيله علي أعلي مستوي‮.. ‬وعلي أن تتحمل الدولة كافة التكاليف باعتباره أثرا تاريخيا ورمزا للحياة الديمقراطية‮.‬
وفي اليوم التالي شمر الشريف عن سواعده معلنا التحدي الذي هو أحد أهم صفاته المعروفة عنه وقاد كتيبة التعمير لإعادة المجلس علي ما كان عليه بل وأفضل بكثير وتم اختيار شركة المقاولون العرب باعتبارها إحدي أهم شركات التشييد المصرية ذات المستوي العالمي والاستشاري د.علي عبد الرحمن‮ ‬رئيس جامعة القاهرة السابق وبدأت العجلة تدور علي مدار الساعة وبعد شهرين من الحريق‮. ‬أمكن إعداد القاعة الرئيسية للمجلس وقاعة الدستور حتي يتمكن المجلس من بدء الدورة البرلمانية في نوفمبر‮ ‬2008‮ ‬من العام الماضي تنفيذا لوعد أخذه الشريف علي‮ ‬نفسه أمام الرئيس مبارك‮.‬
وخلال عام كامل كان المبني بمثابة خلية نحل يتابعها الرجل الذي جعل من مجلس الشوري سندا قويا للعمل البرلماني في مصر بعد أن تولي قياداته عام‮ ‬2006‮ ‬وبعد أن حصل المجلس علي حقوق أكبر في العمل البرلماني والحقيقة إن مجلس الشوري لم يتأهل معماريا فحسب بل أصبح مجلسا مؤثرا بصورة أعمق في الحياة الديمقراطية والبرلمانية في مصر من خلال مساهمته في سن القوانين ومزاولة دور الرقابة البرلمانية والدليل علي ذلك المشاركة الوزارية المكثفة في اجتماعات لجانه النوعية المختلفة لمناقشة مختلف القضايا التي تهم المجتمع وكذلك حرص رئيس الوزراء علي إلقاء بيان الحكومة أمام المجلس في بداية كل دورة ونهايتها وأصبح لمجلس الشوري الحق في التشريع كما أصبح رأيه وجوبيا وليس استشاريا وذلك بعد التعديلات الدستورية التي صدرت عام‮ ‬2006/2005‮.‬
وطبقا للمادة‮ ‬194‮ ‬من الدستور أصبح مجلس الشوري يختص بدراسة واقتراح مايراه كفيلا بالحفاظ علي دعم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وحماية المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والواجبات العامة‮.. ‬كما أكد في المادة علي ضرورة موافقة المجلس علي الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور علي أن تسري علي مناقشة التعديل والموافقة عليه بالمجلس الأحكام المنصوص عليها في المادة‮ ‬189‮ ‬وكذلك معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة أو التي تتعلق بحقوق السيادة‮.‬
كما أقرت المادة‮ ‬195‮ ‬من الدستور أخذ رأي مجلس الشوري في مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وكذلك مشروعات القوانين التي يحيلها إليه رئيس الجمهورية بالإضافة إلي الموضوعات التي تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشئون العربية أو الخارجية‮.‬
وتنص المادة‮ ‬194‮ ‬علي أنه إذا قام خلاف بين مجلسي الشعب والشوري بالنسبة لهذه المواد أحال رئيس مجلس الشعب‮ ‬الأمر إلي لجنة مشتركة تشكل من رئيسي مجلسي الشعب والشوري ويصحبونه‮ ‬7‮ ‬أعضاء من كل لجنة عامة وذلك لاقتراح نصن للأحكام محل الخلاف‮.‬
ومن أجل تعميق علاقات التعاون مع مختلف‮ ‬مجالس الشوري في العالم فقد زار المجلس في العالم الحالي رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي ورئيس مجلس الشوري الإيطالي وكذلك رئيس مجلس الشوري السعودي د.محمد آل الشيخ حيث تم توقيع بروتوكول للتعاون وتبادل الخبرات بين المجلسين كما تلقي الشريف دعوات من‮ ‬مجلس الشيوخ الألماني‮ ‬BR‮ ‬ومجلس اللوردات البريطاني‮.‬
وسيتم تحديد موعد هذه الزيارات‮ ‬في وقت لاحق لتدعيم وتوثيق العلاقات البرلمانية مع الدول الأوروبية‮.‬
ومن أهم القضايا التي سيناقشها المجلس خلال الدورة الحالية قضية نقل الأعضاء والطاقة النووية هذا وقد أصدر رئيس المجلس قرارا بتشكيل لجنة‮ ‬لدراسة خطاب الرئيس مبارك الأخير أمام مجلسي الشعب والشوري ومناقشة إمكانية وضع ماتضمنه هذا الخطاب التاريخي‮ ‬من قضايا وموضوعات جماهيرية هامة موضع التنفيذ‮.‬
وهكذا يبدأ مجلس الشوري مرحلة جديدة مليئة بالأمل والإصرار من أجل مزيد من تعميق الديمقراطية وتحديث العمل البرلماني في مصر‮.‬